أمة صامتة، أرض تشتعل: الهجوم على إيران، رقصة إسرائيل، نار أمريكا، وانهيار الأمة المسلمة
تحرير: راجا زاهد اختر خانزادة
لقد أطلّ ذلك اللحظة التي لطالما ارتعش تاريخها تحت رماد الخوف — حين علت أجنحة قاذفات الـ B‑2 في السماء، وصاحت أصفهان على الأرض.
حين فُضحَت الأسرار المدفونة داخل الجبال برق النار،
وحين سأل طفلٌ في أزقّة طهران والدته: “هل سنكون نحن أيضًا مثل غزة؟”
عندما ارتعشّت الأرض تحت فردو، نطنز، واصفهان، لم ترتعش الجبال فقط، بل أيضًا قبور حضارات دفنَت فيها الآمال، وصمتت فيها إيمان.
لم يكن مجرد هجوم على منشآت نووية؛
بل كان قصفًا لأيديولوجية، محاولة لمحو هوية تمتد لقرون.
هو دفن يتم ليس فقط بالبارود، بل باللامبالاة العالمية أيضًا.
لم يكن عملًا عسكريًا عابرًا، بل كان ذنبًا ارتكبه عالمٌ مكتوم أمام الأمم المتحدة،
وكسر رضى الأمة المسلمة بصمتها؛
وارتكَب تحالفٌ غربيٌّ هجومًا على قبلة الحضارة: فارس التي تفخر بأنها ركيزة العدالة والحرية—
ولكن عندما حلّقت قاذفات B‑2 فوق وديان إيران نومًا،
وعندما اخترقت قنابل “بنكر-باستر” البالغة 30,000 رطل، أحلامًا مدفونة في الجبال،
لم يُسمع صوت من أي مجلس أو جهة أو قرار يدعو للاستجابة باسم “السلام”.
لقد كانت تلك القنابل تهدف إلى ما هو أكثر من تدمير البنية التحتية؛
كانت تريد تدمير كرامة إيران وهويتها وروحها الحضارية.
ومع ذلك، في أزقّة طهران اليوم، لا يزال الناس يرددون: “نحن خلقنا من تراب، لكننا لن نصير ترابًا.”
أما الأمم المتحدة—تلك المؤسسة التي جُسّد شعار “حقوق الإنسان” على جدرانها—
فقد بقيت صامتة مثل مهرّج في ساحة عرض.
كما أنها بقيت صامتة بعد أن أزهقت 38,000 نفس من أهل غزة،
واليوم تصمت أمام أنقاض فردو، نطنز، واصفهان.
لقد مات ضمير الأمم المتحدة حين قال بصوتٍ واحد: “ندعم حماية إسرائيل”،
وترك القتل والانتهاك دون أن يرفّ جفن.
والآن، بعد أن تم تدمير المنشآت النووية الإيرانية،
عاود الظهور بنفس الكلمة الجوفاء:
“ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس.”
يا ليت تلك الأمم المتحدة كانت أمًّا تشاهد ابنَيها يتقاتلان، على الأقل لتكون دموعها صادقة!
لا أعلم إن كانت الأمة المسلمة اليوم تنزف أم أنها توفيت روحًا…
فمن كان يظن أن هذه الأمة كانت مناضلةً في ميدان بدر،
وكانت ترى بيت المقدس بصرّها قبل يدها؟
لكن اليوم، صارت الأمة تُدين قوليًا،
تعقد مؤتمرات تنتهي بانطفاء الشعارات،
وتكتفي بتغريدات منفردة لا توقظ نوم الضمائر.
تلك الأمة التي ضحّت بالآلاف لأجل “لا إله إلا الله”،
والشعارُ “لا إله إلا الله” معتلي فوق أعلامها،
لكنها اليوم نائمة بلا نبض، في حين تتهاوى حضاراتُ تُهان.
بعد هذا الدمار، اكتفت السعودية وقطر وعمان ببيانات استنكار رتيبة…
وأصبحت تركيا، التي كانت تصرخ بغزّة، اليوم في حالة “التأمل الصامت” حيال إيران.
وماذا عن باكستان؟
تقف اليوم على جسر هشّ بين بيْن اختيارين:
أن تبقى وفية لإيران… ولا تخسر علاقتها بأمريكا.
في هذه اللحظة لا خوف على نفط الخليج، ولا سلطان واحد يبكي لشعب إيران،
بعضهم يُركّب طرقًا تجارية جديدة،
والبعض الآخر يتباهى بقبول تكنولوجيا إسرائيل برضا كأنه وسام فخر!
هل بقيت هذه الأمة التي صرخت “يا رسول الله!” وأخذت حصون خيبر قُبيل قدوم الإسلام؟
وهل قادة اليوم من نسل عمر، وعلي، وصلاح الدين، ونور الدين زنكي؟
أم أنهم فقط يحملون أسمائهم على لافتات القصور، بلا جوهر ولا رجولة؟
هل بات شرفُنا اليوم مجرد الحفاظ على خطوط الحدود؟
أم سنفيق فقط حين يسقط البارود على منابر مساجدنا؟
الأمةُ الصامتة، والأرضُ المشتعلة: الهجومُ على إيران، رقصةُ إسرائيل، نارُ أمريكا، وانهيارُ الأمةِ المسلمة
الآنَ تئنُّ إيرانُ، وإسرائيلُ تضحكُ بخشوع.
تلكَ إيرانُ التي كانت منارَ العلمِ والحضارةِ لقرونٍ طويلة، اليومَ مدفونةٌ تحت الرماد.
إسرائيلُ أطلقتْ صواريخها على يزد، وبوشهر، وأحواز، معلنةً أن الدفاعَ لم يعد كافيًا، إنما الهجومُ الاستباقيُّ صارَ صميمَ أجندتها.
وأمْنُ الغربِ الذي كان ينوحُ على ظُلمِ ألمانيا النازية، اليومَ يسكتُ — أو ربما يصفقُ — على دمارِ إيرانَ وفلسطينَ ولبنانَ بيدَي إسرائيل.
ومع ذلكَ، فما زالت هناك شموعٌ في الظلام:
في نيويورك، لندن، برلين، وباريس، يقفُ الغربيونَ مستيقظينَ على الأرصفةِ، محتجين.
طفلٌ يهوديٌّ يرفعُ لافتةً كتبَ عليها: “ليسَ باسمِنا”.
امرأةٌ مسيحيةٌ عجوزٌ في مطرِ لندن تهتفُ ضدَّ القصف.
ومُعلّمٌ في برلين يحدّثُ تلاميذه: “هذا ليسَ سلامًا، إنما دمارٌ.”
هم الضمائرُ الحيّةُ التي لا ترتبطُ بإيرانَ بالمذهب، بل بالإنسانيةِ فقط —
ويعرضونَ اليومَ مرآةَ صمتِ الأمةِ الإسلامية.
فللظلمِ ليسَ فعلُ الجلادِ فقط، بل منظومة متكاملة —
وإن ضربَ اليومَ إيرانَ، فقد يطرقُ غدًا بابَ غيرها.
⸻
الباكستانُ الآن تقفُ عند مفترقِ طرقٍ تاريخِي:
• شرقًا، بين دهاء الهندِ، الشريك الاستراتيجي لإسرائيل؛
• غربًا، مع إيران، الأخِّ والاختبار؛
• شمالًا، مع الصين، الصامتة المؤثرة؛
• جنوبًا، في ظلِّ خليجٍ يخافُ من الطمعِ الأمريكيِّ.
باكستانُ، وهي قِوةٌ نووية، لكنها مثقلةٌ بضعفٍ دبلوماسيّ، اليومَ تكتفي بالجلوسِ كمتفرّجةٍ توازنُ العصاَ الهشةَ.
ولكن وسطَ هذا التوازن، تشتعلُ أرضُ إيران، وحُرارتُ مصالحِ السعودية، وضغوطُ أمريكا، وخبايا الهند.
السؤال:
هل هذا امتحانٌ لباكستان، أم أنه صمتٌ مفزعٌ؟
فالتهديدُ ليسَ اقتصاديًّا فقط، بل أيضًا أيديولوجيًّا.
وإذ ظلت باكستانُ صامتةً اليومَ، فقد تطرقُ غدًا نفسُ الطينِ نارَ بابِها —
وقد يفتقرُ وقتئذٍ حتى إلى نطقِ جوابٍ.
إيرانُ — رمزُ حضارةٍ امتدّتْ 2500 عام — لا تزالُ تنبضُ بالحكمةِ والصبرِ وحْنكةِ القتال.
لقد أعلنَ القادةُ الإيرانيون: “سننتقمُ، وسنختارُ الزمانَ والطريقةَ المناسبة.”
وربما يكونُ هجومُ الصدمةِ عندما يظنُّ العالمُ أن إيرانَ انهزمت.
ولإيرانَ ثلاثةُ خيارات:
1. الانتقام الفوري — الذي بدا في صواريخٍ استهدفت تل أبيب وحيفا؛
2. الاستعداد الصامت — حين يختارُ اللحظةَ الأنسبَ لضربِ العدوّ؛
3. الدبلوماسية الاستراتيجية — بالعودة إلى المسرحِ الدوليِّ تحت رايةِ الصينِ وروسيا.
لكن الردَّ الأكثرَ تأثيرًا غالبًا ما يكونُ من داخلِ الصمتِ، حينَ يُسمعُ صدى خاطرهِ.
إذا أغلقت إيرانُ مضيقَ هرمز حقًّا، فسيقفرُ مسارُ الطاقةِ العالميّ.
قد يرتفعُ سعرُ البرميل إلى 130 دولارًا،
وتهتزُّ الاقتصاداتُ،
ويحلُّ ركودٌ في أوروبا،
وتُدقُّ طبولُ أزمةٍ في باكستانِ وبقيةِ الدول الصاعدة.
وإن شنّتْ أمريكا هجماتٍ إضافيةً، فلن تستهدفَ إيرانَ فحسب؛ بل ستستهدفُ الضميرَ الدوليَّ للإنسانية.
وربما تُعادُ محرقةُ دولةٍ عربيةٍ باسمٍ مموّهٍ “للدمقراطية”، ويُثبتُ على أنقاضِها لافتاتٌ مرصعةً بحقوقِ الإنسان.
إيرانُ تحترقُ الآنَ.
وحين تُحرقُ حضارةٌ، لا تحترقُ المباني فقط، بل تتأذّى كلُّ ملامحِ الإنسانية.
والسؤالُ:
ليسَ ماذا حدث؟ بل ماذا فعلنا نحن؟
عندما تبردُ رمادُ فوردو، وتتوقفُ جدرانُ نطنز عن الشهادة،
فهل نمرُّ مرورَ الكرامةِ فوقَ الأخبار؟
هل غردّنا فقط؟
أم وقعنا سجّدًا لأجلِ الشعبِ؟
هل اخترنا الصمت؟ أم صرختْ ألسنتنا بالانكسارِ؟
هذه الحربُ ليستْ ضدّ إيرانَ وحدها، بل هي حربُ الضميرِ…
ليستْ عن قنابلَ نووية، بل عن سؤالٍ وجوديّ:
هل الإنسانيةُ حيةٌ بعدُ؟
وهل تُسنَ عبراتُ القانونِ الدوليّ؟
وهل يُسَمَحُ فقط لِمن يملكُ الفيتو امتلاكُ القنبلة؟
هل صارتْ الأمةُ المسلمةُ حكايةً في كتبٍ قديمةٍ؟
وإذا كان جوابُ هذه الأسئلة صمتًا، فاسمع:
تاريخٌ ما سيلعنُ ذلك الصمتَ بصوتٍ مدوٍّ
— وربما…
لن نكونَ هناك لنسمعه.
——————
راجہ زاہد اختر خانزادہ صحفيٌ بارز يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من أربعين عاماً. وهو أيضاً مرتبط بعدة منظمات تُعنى بحقوق الإنسان، ويكتب بانتظام في موضوعات متنوعة تتعلق بجنوب آسيا، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة الأمريكية.
وبناءً على طلب العديد من القرّاء الناطقين بالعربية والإنجليزية، تمّ ترجمة هذا المقال خصيصاً إلى اللغة العربية.
(إدارة صحيفة “دي جاگو تايمز” – دالاس، الولايات المتحدة الأمريكية)
للتواصل المباشر، يمكنكم الاتصال بالسيد راجه زاهد أختر خانزادہ عبر البريد الإلكتروني التالي:
Zkzada1@yahoo.com

